|◄ الـثـلـج الأحـمـر ►|
دلـفت السيدة فكتوريا إلى الداخـل وهي تـنـظر
إلى سقف إستراحة المسافرين الذي كان يقطر مطرا ً
ً من زواياه المهترئة ؛ثم نادت إبنـتها اليـافعة
التي كانت تقـف وراء البار بصوت ٍ عال ٍ ضاع نصفه
مع صوت المطر الذي كان يضرب
السطح القرميدي للإستراحة
المتطرفة عن البلدة بعـنف وإصرار ٍ شديدين :
- جوليـا .. جففي الطاولة والأرف العلوية
قبل أن يبـلـلها المطر وتـتـفسخ ..
إنه خشب رديء الصنع أساسا ً
ولا يتحمل سكب كوب ماء ٍ فوقه ..
اللعنة على كل شيء ؛ لا أحـد يتقن صنعته هذه الأيام ..
الكل يريد جني المال بأي طريقة ..
ثم استدارت إلى الرجل الذي كان يتكوع
فوق احد المقاعـد المهملة في زواية المطعم :
- وأنت أيها العجوز المخـرف ..
ألم يكفيك ما شربته حتى الآن ؟..
لم لا تستقطع القليل من وقتك الثمين
وتذهب لإدخال الجياد إلى الإسطبل ؟
أم تريدها أن تغتسل هي الأخرى تحت المطر ؟
قام العجوز راندو من مكانه بخـطوات متثاقـلة محاولا ً
أن لا تلحـظها زوجة أخيه المتسلطة
وأتجه إلى الخارج وهو يعدل قبعته وقال للسيدة
دون أن يلتفت إليها :
- لن يأتي أحد ٌ من ضحاياك ِ اليوم
على كل حال إن لم يتوقف المطر
فهذا الغبيان جاك وماك لم ينـثرا مسمارا ً واحـدا ً
ًاليوم على الطريق منذ أن بدأ المطر بالهـطول .
- سأجلدهما إن لم يتوقف المطر ..
وقد أرسلك معهم لتنـضمـوا إلى قائمة ضيوفنا
القاطنين تحت الأرض
حيث يرقدون الآن بسلام خلف هذه الإستراحة ..
اظـنك فهمت ما أعني ؟ ثم أردفت بتأفـف ٍ :
- كم أكره الأغبياء !
التفت الرجل العجوز إلى زوجة أخيه
وقال بنبرة ٍ يكسوها التهكم
وبعضا ً من الجرأة على غير عادته :
- وهل تـتقـنين شيئا ً في هذه الدنيا سوى أن تكرهي ؟
عندما تـنوي أن تحبي أحدا ً في هذا العالم سأشكر ربي
على أني خـلقت ُ غبيا ً .
إندفع العجوز إلى الخارج قبل أن يسمع شتم السيدة له
مع أن هذا الأمر أصبح عادة ً مألوفة وشبه يومية لـديه .
[size=16]جلست الفتاة الحسناء جوليـا مع عمها العـجوز
على طاولة العشاء
بينما تكوم عمال الإستراحة على طاولة واحدة
ليتناولوا طعام العشاء
استعدادا ً للذهاب إلى بيوتهم ..
فليس هناك الكثير ليفعلونه ـ فيما تبقى من ساعات عملهم ـ
في هذا الجو الماطر ..
أطلت السيدة فكتوريا برأسها من نافذة المطبخ المطلة
على بهو المطعم وقالت بصلابة :
- سأذهب لجمع ما يمكت تقديمه على العشاء لآدم
فإن بقي دون أكل ٍ حتى الصباح أظـن بأننا سنجده صباحا ً
قد أكل القبو بحجارته .. فليس لدينا زائر واحد هذا المساء
ولا يبدو بأن أحد ا ً سيأتي قبل أن يتوقف المطر بـعـد ساعـات على ما يـبـدو !..
نظر الأخوين الشقيين جاك وماك إلى بعضهما نظرات ٍ خافتة
وطأطأ كلاهما رأسه قبل أن تبدأ السيدة بإهانتـهما
فمعنى كلام السيدة واضح وهو أنها تعرف أنهما
لم ينـثرا المسامير على الطريق ..
وبالتالي لن تتعطل أي مركبة تمر من هذا الطريق ..
ولن يـعــرّج أيٌ من سائقيها أو راكبيها إلى الإستراحة ..
عادت السيدة إلى المطبخ بينما كانت جوليـا تسأل
عمها في صوت ٍ خافت :
- عمي العزيز : ألم يحن الوقت لتحكي لي قصة
هذا الوحش البشري الذي تحتجزه والدتي
في القبو منذ سنين؟
لقد كبرت الآن ومن حقي أن أعرف ..
بالطبع لن أجرؤ على سؤال أمي لأنها تضرب
حول " آدم " حصارا ً من التـعـتـيم و الكتمان
لكني أعتقد بأنك تعرف تماما ً ما تعرفه أمي ..
أرجوك أخبرني قبل أن تعود والدتي .
تـنـهـد العم العـجـوز ونـفث دخـان البايـب من أنفه
ثم أطـلـق زفرة ً حادة وقال :
-آ .. كان لك ِ أخ قبل أن تولدي بفترة ليست طويلة
لم يكن كباقي الأطـفال ..
ولم يكن يـبكي كثيرا ً ..تخـيلي !
كانت أمك مولـعة به لـدرجة كبيرة
ووشمته برسم عقرب ٍ أسود على كتفه اليسرى
كـالوشم الذي على كـتـفـك أنـت ِ كحرز ٍ
من الـحـسـد والعـين الشريرة ..
وأسـمـتـه ليـون لأنـه كان ثـقـيل الوزن
وأكبر حـجـما ً من سنـه بكثير ..
كـانت أمـك تقـول ضاحـكـة ً : أنا لا أنـجب إلا الأسـود
وحتى لو أنجـبـت ُ بـنـتا ً فـسـتـكون لـبـوة ً شرسة ..
وفي ليلة مشؤومة ؛ كنا أنا ووالدك في رحلة صيد
حـين هاجم البلدة مجموعة رجال
من البلدة المجاورة "كانيبال تاون "..
كانوا من المهووسين الذين اعتادوا على ذبح الأطـفال
في حفلاتهم ذات الطقوس الشيطانية المقـيتة .
وقيل بأنهم قـتلوه وقيل أيضا ً بأن زعيم الطائفة
أ ُعجب به فأخـذه ليـتبناه
ومع أن الأرجـح أنه قـُـتل إلا أن أمك مازالت تصر
بأنـه حي في مكان ما !
حـيـنها أصيـبت والدتك بلوثـة ..
ومـنذ وفاة والـدك وهي ترسل رجـالها
لزرع المسامير على الطريق ..
حيث تنفجر العربات والمركبات ذات الأحصنة والإطارات ..
فيضطر ركابها أو سائقها للمرور من هنا لإصلاحها
وللإستراحة من عناء السفر والأكل وشرب بعض البيرة ..
وأنت تعرفين الباقي لأن لك ِ دورا ً تقومين به ..
و بـعد أن تضعي المنوم لهم في الشراب
أحملهم أنا وجاك وماك
إلى القبو ليلقوا نـهايتـهم البشـعـة بين يدي آدم
في المشرحة أسفـل قبو الإستراحة ..!
ثم يــُـدفـنون خـلف الإستراحة وتـبـني والـدتك فوق قـبـورهم
جـدرانا ً ً صغـيرة من الآجـر
كي لاتـفوح الرائـحة أو يـنـتبه أحـد للمـكان .
- وهذا ما أود معرفته ..من يكون آدم هذا ؟
ولماذا تحيط أمي شخصيته بكل هذا
السور العالي من السرية والغـمـوض ؟
- أطرق العجوز قليلا ً ثم رفع راسه وأستطلع المكان بعـينه
وكأنه يريد أن يتأكد بأن السيدة ليست قريبة من المكان
ثم تنهد بعمق ٍ وأكمل سرد قصته الغريبة :
آدم هذا ؛أرسلت أمك رجال الإستراحة لخـطفه من نفس البلدة ..
كانت تصر على أن الطفل المخطوف يجب أن يكون وليدا ً جديدا ً لكي تعـجنه بالحقد فيـنمو معه ..
حبسته في القبو وحـولـتـه إلى مايشبه المشرحة
وعزلت آدم عن العالم الخارجي ..
لم تـعلمه سوى شيئيـن في هذه الدنيا : الأكل والقـتل ..
كانت تحضر له بعض الحيـوانـات الضعيفة
من الغابة المجاورة ..
وتدربه على قتلها وهي حية
وتقطيع أشلاءها بأظافره الحادة الطويلة وأكلها ..!
تسمرت عينا جوليـا على باب المطبخ ثم قالت وهي ترى
خيال والدتها عـلى جـداره :
أشعر بالإشمئزاز من نفسي ..
أعلم بأني أشترك في هذه الجرائم المروعة رغما ً عني ..
لكن بعد سماع قصتك هذه فأنـا لا أتوقع لنفسي مستقبلاً
ً أقل سوادا ً مما هـو عليه الآن ..
كفى ياعمي ..نكمل غـدا ً فأمي قادمة ..
جلست السيـدة وتناولت طعامها بصمت ٍ دون أن تلتفت
لأبنـتها وعمها العجوز ..
لم يكن أحد ٌ يعلم بما يدور في رأسها الضخم ..
وتوجـه إلى البار ..